مركز طرح البحر الثقافي.. يواصل دوره ظل فروض كورونا
داليا فاروق: المركز لا يحصل على أى تمويل من أى جهة
المغامرة فى ظل الوباء هى المقامرة بعينها، وقد فرض كوفيد 19 وتحوراته إيقاعه على النشاط الإنسانى فى دول العالم كافة، وكانت منظمة الصحة العالمية قد أقرت تدابير عدة للحد من انتشار الفيروس؛ ما دفع الناس إلى ممارسة حياتهم وفقا لـ”فروض كورونا” المتعددة؛ وعلى رأسها تطبيق الإجراءات الاحترازية التى تقيهم مبدئيا التعرض المباشر للفيروس.. وفى مصر اتخذ مجلس الوزراء الكثير من الإجراءات للحفاظ على صحة المواطنين وتنظيم حركة المجتمع وتفعيل حيويته؛ بداية من ارتداء الكمامة ومرورًا بالتباعد الاجتماعى وصولا إلى التلقيح عن طريق الحصول على الأمصال المعتمدة.
وفى هذا الإطار استجابت المؤسسات الثقافية والفنية وعملت على توفيق أوضاعها بأساليب متنوعة للحفاظ على دورها وكينونتها، وهكذا فعل “مركز طرح البحر الثقافي” بالإسكندرية، فقد اتجه فى العامين الماضيين إلى تطوير أدواته، وتحريك أفكاره؛ من العمل الفردى إلى العمل المشترك.. لكن ماذا عن قدرته على مواصلة دوره كواحد من المراكز الثقافية المستقلة فى ظل الظروف الإقتصادية الخانقة التى أصابت الجميع؟
داليا فاروق؛ مؤسس ومدير مركز “طرح البحر” تحدثت إلينا لتضعنا فى قلب الإجابة..
تبدأ “داليا” بثنائية “الحلم والأمل”؛ فتقول: إذا نظرنا للحلم على اعتبار أنه نافذة خيال فإن “الأمل هو مفتاح وضعه على أرض الواقع”، ولا شك أن كثيرًا مما مرت به المجتمعات منذ ظهور فيروس كورونا يدعو للتشاؤم والاكتئاب؛ فأخبار الموت لا تنقطع ليل نهار، وفى ظل تحورات كوفيد 19 بات الخوف مسيطرًا، وعندما يكون الأمر هكذا فكل فعل طبيعى يصبح بمثابة مغامرة، رغم ذلك هناك ما يشير إلى إمكانية التوصل إلى حلول تمنح الإنسان القدرة على مواصلة الحياة باطمئنان؛ فما تبذله حكومات الدول المختلفة من أجل الحفاظ على مواطنيها يشكل حماية لهم، أما ما يقدمه العلم حتى الآن فهو الأمل فى حماية متكاملة واطمئنان تام.
* خلية الأحلام على أرض الواقع
“الأمل” فى فكر “داليا” طاقة هائلة، لكنها تحتاج دائما إلى تفعيل وجهد من أجل تحقيق الطموحات؛ تقول: فكرة “طرح البحر” ولدت منذ عشر سنوات كحلم فى عقل أربعة أصدقاء ونمت فى قلب اثنين وعاشت فى واقع شخص واحد؛ ففى ظل تقلص دور المساحات الرسمية وانبعاث روح الحماسة التى أشعلتها ثورة يناير، كانت فكرة حلم المكان الذى يضم الهواة والمبدعين، أن تتوافر لهم مساحة للإبداع بلا قيود، والعمل على توفير الإمكانيات والأدوات والجو الملائم لممارسة دورهم، وبعد سنوات قليلة تحقق ذلك؛ فقد كان لا بد للإيمان من أن ينتصر.
تتابع “داليا”: البداية فى الواقع من حصولنا الفعلى على مكان صغير فى بدايةعام 2015 جمع الكثير من أحلام الأصدقاء، ليصبح الحلم الواحد أحلامًا مضاعفة، كسنابل الخير تطرح فى كل سنبلة مائة حبة، وفى 29 أبريل 2015 بدأ العمل فى تجهيز المكان ليكون فى شرف استقبال الرواد من يوم 25 مايو 2015، وقد بدأنا بثلاث قاعات وصالة استقبال كبيرة، استقبلنا فيها ورش كتابة، ومسرح، وورش اللغة العربية والخط العربى، والندوات والحفلات الموسيقية ومسرح الغرفة، كما احتوى على معمل للكمبيوتر يسمح بإقامة دورات تدريبية، ومتاح لاستخدام الطلاب حيث إنه متصل بشبكة الانترنت مما يتيح لشباب الإسكندرية وكتابها مساحة عمل مشتركة فى جو هادئ وقريب من معظم الكليات، كما أقام المركز ندوات لكتاب وشعراء بارزين، من داخل وخارج الإسكندرية، وقد أصبح مرآة لعرض ومناقشة إصدارات لدور النشر المختلفة.
* مكتبة متنوعة مفتوحة للقراءة والاستعارة
لم يقتصر الأمر على تلك الأنشطة؛ تواصل “داليا”: كانت هناك أنشطة أساسية للمركز، تتوزع فيما بينها؛ أسبوعى، وشهرى، ويومى، فضلا عن الفاعليات غير الدورية والمناسبات، فهنا فى “طرح البحر” قعدة شعراء مرة كل شهر، ونادى سينما يوم الاثنين من كل أسبوع، ونادى فصول للكتاب يقام فى ثانى ورابع أربعاء من كل شهر.
وتشير “داليا” إلى وجود مكتبة شاملة مفتوحة للاستعارة وشراء أحدث الإصدارات لدور النشر المختلفة، مع توافر أماكن هادئة للقراءة والاستذكار، وتتابع: هنا أيضًا مجموعة من الورش، وقد أنجزنا منها خمس دورات فى ورشة “بحر القصة”، وثلاث دورات فى ورش “تفاعلية لكتابة الرواية”، وورشة “تعليم الكمانجة والعود والإيقاع والكلارينت”، وورشة “النحت والرسم للأطفال”، وورشة “اللغة العربية والخط العربي”، ومواكبة لتلك الأنشطة أقمنا حفلات عرض المواهب الفنية، ومعارض للمنتجات التراثية مثل منتجات “سيوة، أسوان، دمياط”، فضلا عن رحلات لمعرض الكتاب، والقاهرة القديمة.
* البيت الكبير .. ودعم المبادرات
وعن رسالة “طرح البحر” تؤكد “داليا” أن المركز ليس مقصورًا على أنشطته فقط، بل تطورت استراتيجيته؛ تقول: نحتضن ونستضيف بمكتبة الاستعارة والورش الفنية، أنشطة كيانات ومبادرات ثقافية لآخرين، مثل ورش “دار حسناء للنشر”، ومبادرة “شغف الثقافية”، والتعاون مع ورشة “فصلة” الفنية، واستضفنا فعاليات قصر ثقافة القبارى لمدة عام أثناء فترة ترميم مبنى القصر، وكذلك الأمر مع قصر التذوق بسيدى جابر، كما شاركتنا مؤسسة “جوانا للفن والتنمية وفنون الأداء” المكان بمبادرة “ادونى مكان.. ساعدونى أفن”، وقد كان المكان والزمان الذى شهد أنجح أنشطة وفعاليات “جوانا” بقيادة مؤسسها المخرج مصطفى فتوح، ومن المبادرات من خارج الإسكندرية كان المركز هو المقر الرئيسى لأمسيات مبادرة “حلم الوصول الدولية” لمؤسسها الكاتب مصطفى عزت.
من جانب آخر شهد المركز توقيع أكثر من بروتوكول تعاون؛ من أبرزها برتوكول “راديو انطلاقة”؛ وهو راديو أونلاين بقيادة الإعلامى إسلام النواسانى، حيث قدم العديد من ورش إعداد المذيعين، كما قدم برامج راديو استمرت لعدة مواسم، وبروتوكول مع “زمالة المدمنين المجهولين” لعقد اجتماعات اللجان المختلفة للزمالة فى المركز. وبرتوكول تعاون مع تجمع “فنانو العراق” مع الدكتور كريم خنجر الأستاذ المساعد فى فلسفة الضحك والكوميديا بجامعة شيفلد البريطانية.
* أزمة مؤقتة.. و«طريق» مساحة بديلة
تضيف “داليا”: رغم ظروفنا الاقتصادية نحرص بشدة على تفعيل دور المركز داخل الإسكندرية وخارجها، وقد حققنا الكثير، وحصلنا على إشادات وجوائز تشجيعية وتكريمات نسعد بها، منها شهادات شكر وتقدير من “زمالة المدمنين المجهولين”، و”إدارة نادى الأدب بقصر ثقافة القباري”، وتكريمى كشخصية عامة فى مؤتمر اليوم الواحد لفرع ثقافة الإسكندرية، وشهادة تقدير من مكتبة الإسكندرية للمساهمة فى إحياء العيد القومى لمحافظة الإسكندرية.
وحول طرق تمويل المركز تقول “داليا”: لا يحصل مركز “طرح البحر الثقافي” على أى دعم من أى أفراد أو مؤسسات حكومية أو خاصة، فهو يعتمد على التمويل الخاص من مؤسس المركز، وما تسهم به الفعاليات من مقابل فى دعم استمرار النشاط، وقد مر المكان بأزمات مادية متمثلة فى زيادة إيجار المقر الأول، ما اضطرنا إلى نقل الأنشطة لمكان أصغر، وبعد ظهور أزمة كورونا تقلص النشاط بشكل كبير واستمر المركز فى العمل لفترة بسيطة قوامها ثلاثة أشهر، ثم اتخذنا القرار بوقف النشاط وتسليم المقر، وكان الاتجاه لفكرة الشراكة بديلاً عن التوقف؛ فتم الاتفاق مع المساحة الثقافية “طريق” لاستضافة الأنشطة فى مقرهم، ولكن تلك الفترة لم تثمر إلا عن أنشطة بسيطة كبعض أمسيات قعدة شعراء ودورة واحدة لورشة القصة.
استراحة قصيرة.. وورش أونلاين
فى الختام تقول “داليا”: حيث إن أزمة كورونا لا زالت قائمة والفعاليات متقلصة أو محدودة بشكل عام، وخوفًا على الرواد من التواجد فى مكان صغير سعته الاستيعابية قليلة، كان القرار بوقف النشاط التفاعلى لحين الاطمئنان على الوضع العام، مع الحفاظ على تواجد اسم “طرح البحر” بإقامة ورش أونلاين من وقت لآخر.
ورغم ما تشعر به مؤسس ومدير مركز “طرح البحر” من أسى بسبب الظروف، إلا أنها تتمسك بالحلم الذى تحقق على أرض الواقع، وتنظر “الأمل” فى صدى ما حققه المركز منذ تأسيسه وحتى الآن؛ تقول: لا يذكر اسم طرح البحر إلا وكل مبدع فى الإسكندرية له فيه حكاية، أسهم فيه أو نهل منه، كل من جاء المكان دعمنا بمحبة خالصة، لا غرض من ورائها ولا مصلحة، الدفء والصدق والمحبة هى الدوافع الرئيسية لاستمرار اسم طرح البحر حتى الآن.