شاهدت لك

الفارس الأبيض

Post Visitors:130

منذ سنوات طوال.. هاجر «صلاح سعيد» طبيب القلب المصرى إلى «هولندا»، واستقر هناك.. حصل على الجنسية الهولندية، لكنه لم ينس وطنه الأم أبداً، منذ حوالى 19 عاماً.. كان يجلس فى منزله الصغير ببلاد الغربة وقد أخذ يستمع – تليفونياً – إلى صديق مصرى بدا على صوته التأثر وهو يحكى قصة فتاة مصرية شاهدها وهى تقضى نحبها بمشفى مصرى بسيط – بأحد الأقاليم – بسبب عدم توافر «سرير نقال» كان من المفترض أن ينقلها إلى غرفة الإنعاش!، تأثر «سعيد» بشدة، وقرر من وقتها أن يوفر ما يستطيع من الأجهزة والمعدات الطبية التى تحتاجها بلاده وأن يرسلها إلى مصر، بل ونجح فى تشكيل فريق طبى متطوع يقوم سنوياً بالسفر إلى مصر – ودول نامية أخرى – ويتبرع بالقيام بجراحات دقيقة – مجاناً – للبسطاء وغير القادرين.

 

برنامج «ضيف وحكاية» – قناة دويتش فيله – استضاف البروفيسور المصرى «صلاح سعيد» الحاصل على وسام هولندا الرفيع «مرتبة فارس» من الملك «فيليم ألكساندر»، يقيم د.صلاح بمدينة «هينجلو» الهولندية، ويمارس نشاطه المهنى والإنسانى من خلال المشفى، ومن خلال منظمة الإغاثة الخيرية بالمدينة، وكانت بداية المسيرة الإنسانية له.. حينما علم بالظروف القاسية التى تعمل بها المستشفيات الإقليمية بمصر.. فتقدم بطلب للسفارة المصرية طالباً دعمها فى تسهيل إجراءات مساعدة المشافى المصرية، كما طلب دعم وزارة الصحة الهولندية.. التى رحبت للغاية ووعدت بتقديم تسهيلات لـ«سعيد» وزملائه، ومن جانبهم.. ساهم العشرات من المصريين المهاجرين بهولندا فى توفير المساعدات الطبية التى قرر «سعيد» إرسالها إلى وطنهم الأم، وأوضح «سعيد» أنه قام – ويقوم – بإرسال كراسى متحركة، وأسرّة، وأجهزة ذوى الاحتياجات الخاصة، وفيما يخص تكاليف انتقال الفريق الطبى إلى الخارج.. كشف «سعيد» عن تبرع الأطباء والعاملين بمشفى «هينجلو» بها، حيث إنهم يتنازلون شهرياً عن جزء من مرتباتهم لصالح الأعمال الخيرية، وكشف «صلاح سعيد» أن فريقه الطبى يختار الأماكن أو المشافى التى توجد بها قوائم انتظار طويلة لعمليات القلب أو غيرها – مسالك بولية أو رمد أو جراحات عامة – ، ويحاول الفريق إجراء عشرات العمليات للبسطاء فى كل رحلة، ومن ثم يسهمون فى حل مشكلات الانتظار كما يحلون أزمة تكاليف العمليات المعقدة، التى تتكلف فى العادة مبالغ كبيرة.
روشتة علاج النظام الصحى
وسألته مقدمة البرنامج عما ينقص الدول النامية فيما يخص النظام الصحى السليم فأجاب «صلاح سعيد»: «التكافل الاجتماعى، وضرورة توفير التأمين الصحى الشامل للعامة»، ومن جانب آخر أشار الرجل إلى أن إنشاء صناديق التأمين يوفر مبالغ جيدة يمكن أن يستفاد منها فى رفع مرتبات الأطباء مما يساعدهم على تقديم خدمة متميزة للمرضى، ويكفل عدم لجوئهم إلى العمل بعدة أماكن أو عيادات، ومن ثمّ يتفرغون للعمل بمشفاهم الأساسى بكل تركيز، ثم تحدث الطبيب المصرى – الهولندى «صلاح سعيد» عن زياراته مع فريقه الطبى لمصر، ولفت إلى قيام الفريق فى آخر زياراته لمحافظة الشرقية بإجراء خمس عشرة عملية قلب مفتوح، كما قام الفريق بعلاج 40 حالة توسيع شرايين وزرع دعامات، وعن الفارق بين المريض المصرى ونظيره الأوروبى قال مبتسماً: «المريض المصرى عاطفى للغاية.. فهو – مثلاً – يقوم بعد نجاح العملية بتقبيل الطبيب واحتضانه، وهو أمر لا يعرفه الأوروبيون مطلقاً.. لكنه أمر جميل وأنا شخصياً أتفهمه وأقدره، وهو يسهم فى تعريف الأوروبيين بطبيعتنا الثقافية والنفسية مما يسهم فى توضيح صورة الشرقى أو العربى لدى الأوروبى»، وعن القلب ذكر طبيب القلب «صلاح سعيد» أنه عضو فريد واعتبره الفراعنة منذ آلاف السنين مركز ومحور الجسم كله، كما أنه كيان مستقل يمنح بقية الجسد الحياة، وعن قصة حصوله على الوسام الملكى.. أوضح أن مرافقيه هم الذين أرسلوا إلى البلاط الملكى تقريراً عن مساعداته إلى بلده الأم وعدد من بلدان أفريقيا، وحينما كان يحضر لقاءً علمياً بإحدى البلدات الهولندية.. فوجئ بمحافظ البلدة يدخل ويشير إلى د.صلاح سعيد قائلاً: «جئت من أجلك يا دكتور» ثم أخذ يسرد الأعمال الخيرية التى قام بها الرجل ومن ثمّ أخبره بأن الملك وافق على تكريمه ومنحه لقب «فارس» تكريماً لأعماله ومساعداته للمحتاجين، وقد فوجئ «سعيد» بالأمر ووقف مبهوتاً لدقائق ثم شكر ممثل الملك بشدة وأخذ يتذكر ما فعله من أعمال إنسانية، ثم أقسم – للبرنامج – أنه لم يفكر فى أى تكريم حين قام بهذه الأعمال
آخر أمنية!
خارج مؤسسة «من الحلم إلى الحقيقة» – التى سبق وعرضت لها «المجلة» منذ بضع سنوات – وقفت مقدمة البرنامج لتستوضح فكرة المؤسسة.. فأوضح «صلاح سعيد» أن فكرة المؤسسة نشأت فى مدينة «روتردام» وقامت على تحقيق آخر رغبة للمرضى الميئوس من حالاتهم، وينتظرون الموت ما بين ساعة وأخرى، ثم أشار إلى سيارة إسعاف – كانت واقفة بالقرب منه – وتبين أنه يستعد لإرسالها إلى «تنزانيا» كهدية من الهولنديين، وفتح الباب الخلفى للسيارة فوجدناها تضم عدة كراسى للمعاقين، وكرسى نقال للإسعاف، وملابس للطواقم الطبية، وأوضح أن إرسال السيارة الطبية إلى «تنزانيا» جاء بناءً على مناشدة من طبيبة هولندية تعمل فى «دار السلام» – عاصمة البلاد – تضمنت احتياج البلد الأفريقى الفقير إلى العديد من المساعدات الطبية، وعن علاقة المصريين المهاجرين بالهولنديين.. لفت الرجل إلى أنه يساعد هواة الموسيقى من المصريين على إقامة حفلات للموسيقى الشرقية لتعريف أهل البلاد بها، كما يدفع الشبان الهولنديين من هواة الفن إلى إقامة حفلات موسيقية غربية يحضرها أبناء مصر المهاجرون، ثم عاد «سعيد» ليتطرق لمجهودات مؤسسة «من الحلم إلى الحقيقة» التى تمتلك ثلاث عربات إسعاف، وستين متطوعاً، وصارت تحقق أمنيات 140 شخصاً تقريباً – كل عام – قبل أن يلفظوا آخر أنفاسهم، وتابعنا إحدى السيارات التابعة للمؤسسة وهى تنطلق لتحقيق آخر أمنية لأحد المرضى المشرفين على الموت، وكانت أمنيته هى «زيارة البيت» من أجل توديع أهله ومنزله، وأوضح الرجل أن عمل المؤسسة تموله التبرعات، وعن سر اهتمامه بالمؤسسة قال د.صلاح سعيد: «أشعر من خلالها بالآخرين كما أوقن بأن نهاية كل شىء قادمة، وأننا جميعاً عائدون إلى التراب»، وفى النهاية ذكر الرجل – النبيل – أن ما يهمه فى المقام الأول هو رضا الله عن عمله، وأعتقد أن البرنامج ألقى الضوء على نموذج رائع للمصرى المهاجر الناجح، كما قدم نموذجاً لما ينبغى أن يكون عليه المصرى المهاجر «المقتدر مادياً»، وقدم العمل أيضاً لفتات إنسانية رائعة – مؤسسة تحقيق أحلام المرضى المشرفين على الموت -، وكان من أجمل وأطرف لقطات العمل مشهد المريض الذى كانت آخر مطالبه وأحلامه قبل مغادرته الدنيا «مشاهدة مباراة لفريقه المفضل – على الهواء – بالاستاد»!!!، لكننا كنا نتمنى أن يعرض البرنامج لقطات «فيديو» أرشيفية لحفل منح «صلاح سعيد» الوسام الملكى، كما كنا بحاجة إلى عرض تسجيل «فيديو» لإحدى زياراته لمصر – مثل زيارته لجامعة جنوب الوادى أو الشرقية وغيرهما – ، وكان من الممكن أن تنتقل كاميرات العمل إلى مصر لعرض الأجهزة أو المعدات التى قام «صلاح سعيد» بمنحها لبلده الأم، وكان من الممكن بشىء من الجهد الالتقاء بواحد من المرضى المصريين الذين تم إجراء جراحة خطيرة لهم على يد الرجل أو أحد مساعديه، ونحن نعلم تماماً أن محور البرنامج هو «شخصية مهمة تتحاور معها المذيعة».. لكن ما ذكرناه كان سيدعم معرفتنا بالشخصية – د.صلاح سعيد – ويقوى محوريتها وكان سيزيد من احترام وتقدير المشاهدين له بعدما شاهدوا آثار جهوده النبيلة بأعينهم، وليس عبر الحكى فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى